الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
بسم الله الرحمن الرحيم وَمَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، أَوْ أَمَتَانِ، أَوْ زَوْجَةٌ وَأَمَةٌ: فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا بِلَبَنٍ حَدَثَ لَهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ رَجُلاً رَضَاعًا مُحَرَّمًا، وَأَرْضَعَتْ الْأُخْرَى بِلَبَنٍ حَدَثَ لَهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ امْرَأَةً كَذَلِكَ: لَمْ يَحِلَّ لأََحَدِهِمَا نِكَاحُ الآخَرِ أَصْلاً. وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْ الرَّجُلَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ؛ لأََنَّهَا أُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَحَرُمَ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا؛ لأََنَّهُنَّ أَخَوَاتُهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ وُلِدَتْ قَبْلَهُ، أَوْ مَنْ وُلِدَتْ بَعْدَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَخَوَاتُهَا، لأََنَّهُنَّ خَالاَتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا؛ لأََنَّهُنَّ جَدَّاتُهُ. وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَخَوَاتُ زَوْجِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ؛ لأََنَّهُنَّ عَمَّاتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهُ لأََنَّهُنَّ جَدَّاتُهُ. وَحُرِّمَ عَلَيْهِ مَنْ أَرْضَعَتْ امْرَأَتَهُ بِلَبَنٍ حَدَثَ لَهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ؛ لأََنَّهَا مِنْ بَنَاتِهِ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي أَرْضَعَتْ امْرَأَتَهُ. وَحُكْمُ الَّتِي تُرْضِعُ امْرَأَتَهُ كَحُكْمِ ابْنَتِهَا الَّتِي وَلَدَتْهَا، وَلاَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا حَرَّمَ مِنْ النِّسَاءِ: لَبَنُ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا: مِنْ أَنْ تُرْضِعَ امْرَأَةُ رَجُلٍ ذَكَرًا، وَتُرْضِعَ امْرَأَتُهُ الْأُخْرَى أُنْثَى: فَتَحْرُمُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ هَذَا لاَ يُحَرِّمُ شَيْئًا: كَمَا صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَأْذَنُ لِمَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا، وَبَنَاتُ أَخِيهَا، وَلاَ تَأْذَنُ لِمَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا وَبَنِي إخْوَتِهَا وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: كَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها مَنْ أَرْضَعَتْهُ بَنَاتُ أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ أَبِي بَكْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ: أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْضَعَتْهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ امْرَأَةُ الزُّبَيْرِ قَالَتْ زَيْنَبُ: فَأَرْسَلَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ ابْنَتِي أُمَّ كُلْثُومٍ عَلَى أَخِيهِ حَمْزَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَكَانَ حَمْزَةَ ابْنَ الْكَلْبِيَّةِ، فَقُلْت لِرَسُولِهِ: وَهَلْ تَحِلُّ لَهُ إنَّمَا هِيَ بِنْتُ أَخِيهِ، فَأَرْسَلَ إلَيَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ إنَّمَا تُرِيدِينَ الْمَنْعَ أَنَا وَمَا وَلَدَتْ أَسْمَاءُ إخْوَتُك، وَمَا كَانَ مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَسْمَاءَ فَلَيْسُوا لَكِ بِإِخْوَةٍ فَأَرْسِلِي فَاسْأَلِي عَنْ هَذَا فَأَرْسَلَتْ فَسَأَلَتْ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا: إنَّ الرَّضَاعَةَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ لاَ تُحَرِّمُ شَيْئًا فَأَنْكَحَتْهَا إيَّاهُ، فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى هَلَكَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ تَزَوَّجَ ابْنَةَ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ أَرْضَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ بِلَبَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَكَانَتْ امْرَأَةُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَدْ أَرْضَعَتْ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوُلِدَ لِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى غُلاَمٌ اسْمُهُ عُمَرُ فَتَزَوَّجَ بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ حُسَيْنٍ مَوْلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ: أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنًا لَهُ أُخْتًا لَهُ مِنْ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَوَكِيعٍ، قَالَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَعْمَشِ، وَقَالَ: وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالاَ جَمِيعًا: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ: أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ؛ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَلاَ يَحْرُمُ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ فَذَكَرَهُ عَنْهُمْ، وَزَادَ فِيهِمْ أَبَا بَكْرِ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَكْحُولٍ، وَالشَّعْبِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِلَبَنِ الْفَحْلِ بَأْسًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: قُلْت لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: إنَّ فُلاَنًا مِنْ آلِ أَبِي فَرْوَةَ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ غُلاَمًا أُخْتَهُ مِنْ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ الْقَاسِمُ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى التَّحْرِيمِ بِهِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ. أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْضَعَتْهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ امْرَأَةُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَتْ زَيْنَبُ: فَكَانَ الزُّبَيْرُ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا أَمْتَشِطُ فَيَأْخُذُ بِقَرْنٍ مِنْ قُرُونِ رَأْسِي يَقُولُ: أَقْبِلِي عَلَيَّ فَحَدِّثِينِي أَرَى أَنَّهُ أَبِي وَمَا وَلَدَ فَهُمْ إخْوَتِي. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ أَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا جَارِيَةً، وَالْأُخْرَى غُلاَمًا، أَيَحِلُّ أَنْ يَتَنَاكَحَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ، اللِّقَاحُ وَاحِدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ: سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وطَاوُوسًا، وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، فَقُلْت: امْرَأَةُ أَبِي أَرْضَعَتْ بِلِبَانِ إخْوَتِي جَارِيَةً مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَلِيَ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ: لاَ، أَبُوك أَبُوهَا وَقَالَ عَطَاءٌ، وطَاوُوس، وَالْحَسَنُ: هِيَ أُخْتُك. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَرِهَ لَبَنَ الْفَحْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، قَالاَ: أَنَا هُشَيْمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَبْرَةَ الْهَمْدَانِيَّ إنَّهُ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ: يُكْرَهُ لَبَنَ الْفَحْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ فِي رَجُلٍ أَرْضَعَتْ امْرَأَةُ أَبِيهِ امْرَأَةً وَلَيْسَتْ أُمَّهُ: أَتَحِلُّ لَهُ قَالَ عُرْوَةُ: لاَ تَحِلُّ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: الرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ تُحَرِّمُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ عَنْ الأَعْمَشِ قَالَ: كَانَ عُمَارَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ وَأَصْحَابُنَا: لاَ يَرَوْنَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ بَأْسًا، حَتَّى أَتَاهُمْ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ بِخَبَرِ أَبِي الْقُعَيْسِ. قال أبو محمد: هَكَذَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْعِلْمِ، لاَ كَمَنْ يَقُولُ: أَيْنَ كَانَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمْ. وَتَوَقَّفَ فِيهِ آخَرُونَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ أَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ جَارِيَةٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةُ أَبِي، أَتَرَى لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ: اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ، فَلَسْت أَقُولُ شَيْئًا وَسَأَلْت ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ: مِثْلَ قَوْلِ مُجَاهِدٍ. قال أبو محمد: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ أَنَا ابْنَ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْحِجَابِ، وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ أَبَا عَائِشَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْت: وَاَللَّهِ لاَ آذَنُ لأََفْلَحَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ فَكَرِهْتُ أَنْ آذَنَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ قَالَتْ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْذَنِي لَهُ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّصْرِيُّ أَنَا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ الْقَاضِي أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ كِلاَهُمَا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَتْ جَاءَ عَمِّي بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ قَالَ: تَرِبَتْ يَمِينُكِ ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ أَنَا أَبِي أَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ بْنُ قُعَيْسٍ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فَأَرْسَلَ إلَيَّ: إنِّي عَمُّكِ أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: لِيَدْخُلْ عَلَيْك فَإِنَّهُ عَمُّكِ. فَكَانَ هَذَا خَبَرًا لاَ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، فَتَنَاقَضُوا هَاهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ؛ لأََنَّ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ تَقُولُ: إذَا رَوَى الصَّاحِبُ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ عَنْ ذَلِكَ الصَّاحِبِ خِلاَفُ مَا رَوَى، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْخَبَرِ، قَالُوا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ: مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ أَنَّهُ يُعْتَقُ فِي عِتْقِهَا وَيُرَقُّ فِي رِقِّهَا فَادَّعُوا أَنَّ هَذَا خِلاَفٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ مُدَبَّرًا. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ لَيْسَ خِلاَفًا لِمَا رُوِيَ، بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ؛ لأََنَّ فِيهِ يُرَقُّ بِرِقِّهَا. قال أبو محمد: وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا عَائِشَةُ وَحْدَهَا، وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا خِلاَفُهُ، فَأَخَذُوا بِرِوَايَتِهَا وَتَرَكُوا رَأْيَهَا، وَلَمْ يَقُولُوا: لَمْ تُخَالِفْهُ إِلاَّ لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُنَّ، وَقَالُوا: لاَ نَدْرِي لأََيِّ مَعْنًى لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا. قال أبو محمد: فَكَانَ هَذَا عَجَبًا جِدًّا يَثْبُتُ عَنْهَا، كَمَا أَرَدْنَا: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ أَبِي بَكْرٍ، وَنِسَاءُ إخْوَتِهَا، وَنِسَاءُ بَنِي إخْوَتِهَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا، وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهَا، فَهَلْ هَاهُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَيْهِ إِلاَّ أَنَّ الَّذِينَ أَذِنَتْ لَهُمْ رَأَتْهُمْ ذَوِي مَحْرَمٍ مِنْهَا، وَأَنَّ الَّذِينَ لَمْ تَأْذَنْ لَهُمْ لَمْ تَرَهُمْ ذَوِي مَحْرَمٍ مِنْهَا وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ، وَمُدَافَعَةِ الْحَقِّ بِكُلِّ مَا جَرَى عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَثٍّ وَرَثٍّ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ. وقال بعضهم: لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْتَجِبَ مِمَّنْ شَاءَتْ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا . فَقُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ لَهَا إِلاَّ أَنَّ تَخْصِيصَهَا رضي الله عنها بِالأَحْتِجَابِ عَنْهُمْ مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ أَبِيهَا، وَنِسَاءُ إخْوَتِهَا، وَنِسَاءُ بَنِي أَخَوَاتِهَا، دُونَ مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا، وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهَا، لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا، لاَ سِيَّمَا مَعَ تَصْرِيحِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهَا بِأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لاَ يُحَرِّمُ، وَأَفْتَى الْقَاسِمُ بِذَلِكَ، فَظَهَرَ تَنَاقُضُ أَقْوَالِهِمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَعَهْدُنَا بِالطَّائِفَتَيْنِ تَعْتَرِضُ كِلْتَاهُمَا عَنْ الْخَبَرِ الثَّابِتِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى رَضَاعِ سَالِمٍ بِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ التَّحْرِيمَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَجِئْ مَجِيءَ التَّوَاتُرِ فَظَهَرَ أَيْضًا تَنَاقُضُهُمْ هَاهُنَا. وَعَهْدُنَا بِالطَّائِفَتَيْنِ تَقُولاَنِ: إنَّ مَا كَثُرَ بِهِ الْبَلْوَى لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَرَامُوا بِذَلِكَ الأَعْتِرَاضِ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ: مِنْ أَنَّ الْبَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَلَبَنُ الْفَحْلِ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى، وَقَدْ خَالَفَتْهُ الصَّحَابَةُ، وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ هَكَذَا جُمْلَةً، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ، وَمَكْحُولٌ، وَغَيْرُهُمْ، فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا: لَوْ كَانَ صَحِيحًا مَا خَفِيَ عَلَى هَؤُلاَءِ، وَهُوَ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى، كَمَا قَالُوا فِي خَبَرِ التَّفَرُّقِ فِي الْبَيْعِ، وَمَا نَعْلَمُهُ خَفِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، إِلاَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَحْدَهُ فَظَهَرَ بِهَذَا فَسَادُ أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَأَنَّهَا لاَ مَعْنَى لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ رَضَاعًا مُحَرِّمًا حُرِّمَتَا جَمِيعًا وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا، إذْ صَارَتَا بِذَلِكَ الرَّضَاعِ أُخْتَيْنِ، أَوْ عَمَّةً وَبِنْتَ أَخٍ، أَوْ خَالَةً وَبِنْتَ أُخْتٍ، أَوْ حَرِيمَةَ امْرَأَةٍ لَهُ؛ لأََنَّهُمَا مَعًا حَدَثَ لَهُمَا التَّحْرِيمُ، فَلَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ الْأُخْرَى. وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ بِهِمَا فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى رَضَاعًا مُحَرِّمًا، وَلاَ فَرْقَ، فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى رَضَاعًا مُحَرِّمًا انْفَسَخَ نِكَاحُ الَّتِي صَارَتْ أُمًّا لِلْأُخْرَى وَبَقِيَ نِكَاحُ الَّتِي صَارَتْ لَهَا ابْنَةً صَحِيحًا؛ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:
وَأَمَّا صِفَةُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، فَإِنَّمَا هُوَ: مَا امْتَصَّهُ الرَّاضِعُ مِنْ ثَدْيِ الْمُرْضِعَةِ بِفِيهِ فَقَطْ. فأما مَنْ سُقِيَ لَبَنَ امْرَأَةٍ فَشَرِبَهُ مِنْ إنَاءٍ، أَوْ حُلِبَ فِي فِيهِ فَبَلَعَهُ؛ أَوْ أُطْعِمَهُ بِخُبْزِ، أَوْ فِي طَعَامٍ، أَوْ صُبَّ فِي فَمِهِ، أَوْ فِي أَنْفِهِ، أَوْ فِي أُذُنِهِ، أَوْ حُقِنَ بِهِ: فَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ غِذَاءَهُ دَهْرَهُ كُلَّهُ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا كُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلاَ يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهُ إرْضَاعًا، وَلاَ رَضَاعَةً، وَلاَ رَضَاعًا، إنَّمَا هُوَ حَلْبٌ وَطَعَامٌ وَسِقَاءٌ، وَشُرْبٌ وَأَكْلٌ وَبَلْعٌ، وَحُقْنَةٌ وَسَعُوطٌ وَتَقْطِيرٌ، وَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا شَيْئًا. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الرَّضَاعِ وَالْإِرْضَاعِ قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي فَهْمٍ أَنَّ الرَّضَاعَ مِنْ شَاةٍ أَشْبَهَ بِالرَّضَاعِ مِنْ امْرَأَةٍ؛ لأََنَّهُمَا جَمِيعًا رَضَاعٌ مِنْ الْحُقْنَةِ بِالرَّضَاعِ، وَمِنْ السَّعُوطِ بِالرَّضَاعِ، وَهُمْ لاَ يُحَرِّمُونَ بِغَيْرِ النِّسَاءِ فَلاَحَ تَنَاقُضُهُمْ فِي قِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ، وَشَرْعُهُمْ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قال أبو محمد: وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لاَ يُحَرِّمُ السَّعُوطُ بِلَبَنِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ يُحَرِّمُ أَنْ يُسْقَى الصَّبِيُّ لَبَنَ الْمَرْأَةِ فِي الدَّوَاءِ؛ لأََنَّهُ لَيْسَ بِرَضَاعٍ، إنَّمَا الرَّضَاعُ مَا مُصَّ مِنْ الثَّدْيِ. هَذَا نَصُّ قَوْلِ اللَّيْثِ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَرْسَلْت إلَى عَطَاءٍ أَسْأَلُهُ عَنْ سَعُوطِ اللَّبَنِ لِلصَّغِيرِ وَكُحْلِهِ بِهِ أَيُحَرِّمُ قَالَ: مَا سَمِعْت أَنَّهُ يُحَرِّمُ. وقال أبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ: لاَ يُحَرِّمُ الْكُحْلُ لِلصَّبِيِّ بِاللَّبَنِ، وَلاَ صَبُّهُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْأُذُنِ، وَلاَ الْحُقْنَةُ بِهِ، وَلاَ مُدَاوَاةُ الْجَائِفَةِ بِهِ، وَلاَ الْمَأْمُومَةِ بِهِ، وَلاَ تَقْطِيرُهُ فِي الْإِحْلِيلِ قَالُوا: فَلَوْ طُبِخَ طَعَامٌ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ حَتَّى صَارَ مَرَقَةً نَضِجَةً، وَكَانَ اللَّبَنُ ظَاهِرًا فِيهَا غَالِبًا عَلَيْهَا بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ، فَأَطْعَمَهُ صَغِيرًا لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ نِكَاحَ الَّتِي اللَّبَنُ مِنْهَا، وَلاَ نِكَاحَ بَنَاتِهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ ثُرِدَ لَهُ خُبْزٌ فِي لَبَنِ امْرَأَةٍ فَأَكَلَهُ كُلَّهُ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ تَحْرِيمٌ أَصْلاً فَلَوْ شَرِبَهُ كَانَ مُحَرَّمًا كَالرَّضَاعِ. وَأَمَّا الْخِلاَفُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: السَّعُوطُ وَالْوَجُورُ يُحَرِّمَانِ كَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ. وَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي هَذَا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ السَّعُوطَ وَالْوَجُورَ يُحَرِّمَانِ. قال أبو محمد: احْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنْ قَالُوا: صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ. قَالُوا: فَلَمَّا جَعَلَ عليه الصلاة والسلام الرَّضَاعَةَ الْمُحَرِّمَةَ مَا اُسْتُعْمِلَ لِطَرْدِ الْجُوعِ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي السَّقْيِ وَالأَكْلِ . فَقُلْنَا: هَذَا لاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُمْ لاَ يُوجَدُ فِي السَّعُوطِ؛ لأََنَّهُ لاَ يُرْفَعُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْجُوعِ، فَإِنْ لَجُّوا وَقَالُوا: بَلْ يُدْفَعُ. قلنا: لأََصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ حَظَّ السَّعُوطِ مِنْ ذَلِكَ كَحَظِّ الْكُحْلِ وَالتَّقْطِيرِ فِي الْعَيْنِ بِاللَّبَنِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ؛ لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ وَاصِلٌ إلَى الْحَلْقِ إلَى الْجَوْفِ، فَلِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْكُحْلِ بِهِ وَبَيْنَ السَّعُوطِ بِهِ هَذَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ مَنْ قَطَّرَ شَيْئًا مِنْ الأَدْهَانِ فِي أُذُنِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ، وَكَذَلِكَ إنْ احْتَقَنَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فَلَمْ يُحَرِّمُوا بِهِ فِي اللَّبَنِ يُحْقَنُ بِهَا أَوْ يُكْتَحَلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لاَ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فَلِمَ فَطَّرْتُمْ بِهِ الصَّائِمَ وَهَذَا تَلاَعُبٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ. وقال مالك: إنْ جُعِلَ لَبَنُ الْمَرْأَةِ فِي طَعَامٍ وَطُبِخَ وَغَابَ اللَّبَنُ أَوْ صُبَّ فِي مَاءٍ فَكَانَ الْمَاءُ هُوَ الْغَالِبَ فَسُقِيَ الصَّغِيرُ ذَلِكَ الْمَاءَ أَوْ أُطْعِمَ ذَلِكَ الطَّعَامَ لَمْ يَقَعْ بِهِ التَّحْرِيمُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يُحَرِّمُونَ بِالنُّقْطَةِ تَصِلُ إلَى جَوْفِهِ وَهِيَ لاَ تَدْفَعُ عِنْدَهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمَجَاعَةِ فَظَهَرَ خِلاَفُهُمْ لِلْخَبَرِ الَّذِي مَوَّهُوا بِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ حُجَّةٌ لَنَا؛ لأََنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا حَرَّمَ بِالرَّضَاعَةِ الَّتِي تُقَابَلُ بِهَا الْمَجَاعَةُ وَلَمْ يُحَرِّمْ بِغَيْرِهَا شَيْئًا فَلاَ يَقَعُ تَحْرِيمٌ بِمَا قُوبِلَتْ بِهِ الْمَجَاعَةُ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ وَجُورٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَضَاعَةً كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ. فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ مَوْلَى الأَشْجَعِيِّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إنِّي أَرَدْت أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَقَدْ سَقَتْنِي مِنْ لَبَنِهَا وَأَنَا كَبِيرٌ تَدَاوَيْت بِهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لاَ تَنْكِحُهَا وَنَهَاهُ عَنْهَا. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: إنْ سَقَتْهُ امْرَأَتُهُ مِنْ لَبَنِ سُرِّيَّتِهِ، أَوْ سَقَتْهُ سُرِّيَّتُهُ مِنْ لَبَنِ امْرَأَتِهِ لِتُحَرِّمَهَا عَلَيْهِ فَلاَ يُحَرِّمُهَا ذَلِكَ. قال أبو محمد: هَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ؛ لأََنَّ فِيهِ رَضَاعَ الْكَبِيرِ وَالتَّحْرِيمَ بِهِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ رَضَاعَ الضَّرَائِرِ لاَ يُحَرِّمُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. قال أبو محمد: وَإِنْ ارْتَضَعَ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ لَبَنَ مَيِّتَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ سَكْرَى خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يَقَعُ بِهِ؛ لأََنَّهُ رَضَاعٌ صَحِيحٌ. وقال الشافعي: لاَ يَقَعُ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ رَضَاعٌ؛ لأََنَّهُ نَجِسٌ. قال علي: هذا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَقُولَ فِي لَبَنِ مُؤْمِنَةٍ: إنَّهُ نَجِسٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجَسُ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي حَالِ مَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ سَوَاءٌ، هُوَ طَاهِرٌ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ، وَلَبَنُ الْمَرْأَةِ بَعْضُهَا، وَبَعْضُ الطَّاهِرِ طَاهِرٌ، إِلاَّ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الطَّهَارَةِ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرَى لَبَنَ الْكَافِرَةِ طَاهِرًا يُحَرِّمُ، وَهُوَ بَعْضُهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: فإن قيل: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ لَبَنَ الْكَافِرَةِ نَجِسٌ بِلاَ شَكٍّ وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِرْضَاعَ الْكَافِرَةِ. قلنا: لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لَنَا نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ، وَأَوْجَبَ عَلَى الْأُمِّ رَضَاعَ وَلَدِهَا، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سَيَكُونُ لَنَا أَوْلاَدٌ مِنْهُنَّ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. إِلاَّ أَنَّنَا نَقُولُ: إنَّ غَيْرَ الْكِتَابِيَّةِ لاَ يَحِلُّ لَنَا اسْتِرْضَاعُهَا؛ لأََنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا أُبِيحَ لَنَا اتِّخَاذُهُنَّ أَزْوَاجًا وَطَلَبُ الْوَلَدِ مِنْهُنَّ فَبَقِيَ لَبَنُهَا عَلَى النَّجَاسَةِ جُمْلَةً، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثم نقول: لَوْ خَالَطَ لَبَنُ الْمُرْضِعَةِ دَمٌ ظَاهِرٌ مِنْ فَمِ الْمُرْضَعِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا يُحَرِّمُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لأََنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّجِسَ، وَالْحَرَامَ إذَا خَالَطَهُمَا الطَّاهِرُ الْحَلاَلُ فَإِنَّ الطَّاهِرَ طَاهِرٌ، وَالنَّجِسَ نَجِسٌ، وَالْحَلاَلَ حَلاَلٌ، وَالْحَرَامَ حَرَامٌ، فَالْمُحَرَّمُ هُوَ اللَّبَنُ لاَ مَا خَالَطَهُ مِنْ حَرَامٍ أَوْ نَجِسٍ وَلِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَبَنُ الْمُشْرِكَةِ إنَّمَا يَنْجَسُ هُوَ وَهِيَ بِذَلِكَ؛ لِدِينِهَا النَّجِسِ، فَلَوْ أَسْلَمَتْ لَطَهُرَتْ كُلُّهَا، فَلأَِرْضَاعِهَا حُكْمُ الْإِرْضَاعِ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ خَمْسُ رَضَعَاتٍ، تُقْطَعُ كُلُّ رَضْعَةٍ مِنْ الْأُخْرَى أَوْ خَمْسُ مَصَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ كَذَلِكَ أَوْ خَمْسٌ مَا بَيْنَ مَصَّةٍ وَرَضْعَةٍ، تُقْطَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُخْرَى هَذَا إذَا كَانَتْ الْمَصَّةُ تُغْنِي شَيْئًا مِنْ دَفْعِ الْجُوعِ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ شَيْئًا، وَلاَ تُحَرِّمُ شَيْئًا. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ: فَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ: أَنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ إِلاَّ عَشْرُ رَضَعَاتٍ لاَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ بِهِ إلَى أُمِّ كُلْثُومٍ أُخْتِهَا بِنْتِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ وَهِيَ تُرْضِعُ فَقَالَتْ: أَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ قَالَ سَالِمٌ: فَأَرْضَعَتْنِي ثَلاَثَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ مَرِضَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ فَلَمْ تُرْضِعْنِي، فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرًا مِنْ الرَّضَعَاتِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ عَاصِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ إلَى أُخْتِهَا فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرَ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِيرٌ فَفَعَلَتْ، فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا. قال أبو محمد: عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا هُوَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ فِرَاسٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ أَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الرَّضَاعِ فَقَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ لاَ تَرَى شَيْئًا دُونَ عَشْرِ رَضَعَاتٍ فَصَاعِدًا. فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ عُرْوَةَ؛ لأََنَّهُ أَجَابَ بِهِ الَّذِي اسْتَفْتَاهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا: سَبْعَ رَضَعَاتٍ: كَمَا حَدَّثَنَا أحمد بن قاسم أَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ أَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ صَالِحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّمَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ سَبْعُ رَضَعَاتٍ. قال أبو محمد: الأَوَّلُ عَنْهَا أَصَحُّ، وَهَذَا قَدْ رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي الْخَلِيلِ، وَمِنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ. كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ صَبِيٍّ شَرِبَ قَلِيلاً مِنْ لَبَنِ امْرَأَةٍ فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لاَ تُحَرِّمُ دُونَ سَبْعِ رَضَعَاتٍ أَوْ خَمْسٍ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ كَمَا قلنا نَحْنُ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: لاَ تُحَرِّمُ دُونَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ. قال أبو محمد: هَذَا يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهَا كَمَا كَانَتْ تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ، وَلِغَيْرِهَا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ وَالثَّلاَثُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لاَ يُحَرِّمُ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثِ رَضَعَاتٍ وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْقَوْلِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْلَى أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالاَ جَمِيعًا: لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّضَاعِ فَقَالَ: لاَ أَقُولُ كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، كَانَا يَقُولاَنِ: لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ. قال أبو محمد: كُلُّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ بِالثَّلاَثِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ، وَأَخْصَبَ الْجِسْمَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أرنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي يَعْنِي عَبْدَ الْوَارِثِ أَنَا حُسَيْنٌ هُوَ الْمُعَلِّمُ أَنَا مَكْحُولٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَيْسَ بِالْمَصَّةِ، وَلاَ بِالْمَصَّتَيْنِ بَأْسٌ، إنَّمَا الرَّضَاعُ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ثَوْرٍ هُوَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ: مَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ مِنْهَا: الضِّرَارُ، وَالْعُفَافَةُ وَالْمَلْجَةُ. وَالضِّرَارُ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَيْنِ كَيْ تُحَرِّمَ بَيْنَهُمَا. وَالْعُفَافَةُ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ الَّذِي يَبْقَى فِي الثَّدْيِ. وَالْمُلْجَةُ اخْتِلاَسُ الْمَرْأَةِ وَلَدَ غَيْرِهَا فَتُلْقِمُهُ ثَدْيَهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلاَنَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى بِغُلاَمٍ وَجَارِيَةٍ أَرَادُوا أَنْ يُنَاكِحُوا بَيْنَهُمَا قَدْ عَلِمُوا أَنَّ امْرَأَةً أَرْضَعَتْ أَحَدَهُمَا فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: كَيْفَ أَرْضَعْتِ الآخَرَ قَالَتْ: مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ يَبْكِي فَأَرْضَعَتْهُ أَوْ قَالَتْ: فَأَمْصَصْتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: نَاكِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ الْخَصَابَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، قَالاَ جَمِيعًا: أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ الأَسْلَمِيِّ: أَنَّهُ اسْتَفْتَى أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ يُحَرِّمُ إِلاَّ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ يَعْنِي مِنْ الرَّضَاعِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ وَبِهِ يُؤْخَذُ. قال أبو محمد: هَكَذَا نَصَّ الْحَدِيثُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْوَادِعِيِّ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: إنَّمَا الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالْعَظْمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ فَقَالَ: لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: لاَ رَضَاعَ إِلاَّ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى التَّحْرِيمِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَوْ بِقَطْرَةٍ صَحَّ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعًا دُونَهُمَا. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ أَيْضًا. وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وَعُرْوَةَ، وطَاوُوس. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَقَتَادَةَ، وَرَبِيعَةَ وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى سَبْعِ رَضَعَاتٍ، فَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقًا، فَسَقَطَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى عَشْرِ رَضَعَاتٍ فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ مَا كُتِبَ بِهِ إلَى أَبُو الْمُرَجَّى عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَرْوَازٍ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ الرَّحَبِيُّ أَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُغَلِّسِ قَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: أَنَا أَبِي أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ أَنَا أُبَيٌّ هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: أَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُ: إنَّ سَالِمًا كَانَ مِنَّا حَيْثُ عَلِمْت كُنَّا نَعُدُّهُ وَلَدًا، وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: أَنْكَرْتُ وَجْهَ أَبِي حُذَيْفَةَ، إذْ رَآهُ يَدْخُلُ عَلَيَّ قَالَ: فَأَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ لِيَدْخُلْ عَلَيْك كَيْفَ شَاءَ، فَإِنَّمَا، هُوَ ابْنُك. قال أبو محمد: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهِمَ فِيهِ؛ لأََنَّهُ قَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَ، هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقَالَ فِيهِ: أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ عَلَى مَا نُورِدُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ عَزَّ وَجَلَّ. أَوْ يَكُونُ مَحْفُوظًا فَتَكُونُ رِوَايَةُ ابْنِ إِسْحَاقَ صَحِيحَةً وَرِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ صَحِيحَةً فَيَكُونَانِ خَبَرَيْنِ اثْنَيْنِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَالْعَشْرُ الرَّضَعَاتُ مَنْسُوخَاتٌ عَلَى مَا نُورِدُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ، إذْ لاَ يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَكُونَ وَهْمًا، أَوْ مَنْسُوخًا، لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ حَرَّمَ بِثَلاَثِ رَضَعَاتٍ لاَ بِأَقَلَّ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى. مِنْهَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ شُعْبَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ. قال أبو محمد: ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَمِعَهُ مِنْهَا، وَمِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا، فَحَدَّثَ بِهِ كَذَلِكَ، وَهُوَ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ الْمَشْهُورُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ أَنَا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ أَنَا سَعِيدٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَتَبْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ نَسْأَلُهُ عَنْ الرَّضَاعِ فَكَتَبَ: إنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ الْمُحَارِبِيَّ حَدَّثَنَا أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: لاَ تُحَرِّمُ الْخَطْفَةُ، وَلاَ الْخَطْفَتَانِ. وَمِنْ طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ النَّسَائِيّ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الزُّبَيْرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ، وَلاَ الْإِمْلاَجَةُ، وَلاَ الْإِمْلاَجَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي شُعَيْبُ بْنُ يُوسُفَ النَّسَائِيّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أُبَيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ. قال أبو محمد: ابْنُ الزُّبَيْرِ سَمِعَ أَبَاهُ، وَخَالَتَهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَوَاهُ عَنْ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَهُ أَيْضًا صُحْبَةٌ، وَإِلَّا فَلْيُخْبِرْنَا الْمُقْدِمُ عَلَى نَصْرِ الْبَاطِلِ، وَدَفْعِ الْحَقِّ، وَمُؤْثِرُ رَأْيِهِ عَلَى مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَتَّهِمُ مِنْ رُوَاةِ هَذِهِ الأَخْبَارِ. وَقَدْ صَحَّ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ أَنَا يَعْقُوبُ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ، وَلاَ يُحَرِّمُ مِنْهُ إِلاَّ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ مِنْ اللَّبَنِ. وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أُمِّ الْفَضْلِ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ كُلُّهُمْ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى قَالَ: أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ هُوَ صَالِحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، هُوَ ابْنُ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تُحَرِّمُ الْإِمْلاَجَةُ، وَلاَ الْإِمْلاَجَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تُحَرِّم الرَّضْعَةُ، وَلاَ الرَّضْعَتَانِ، وَلاَ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ أَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ أَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ الضُّبَعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تُحَرِّمُ الْإِمْلاَجَةُ، وَلاَ الْإِمْلاَجَتَانِ. وَنَاهُ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ الضُّبَعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تُحَرِّمُ الْإِمْلاَجَةُ، وَلاَ الْإِمْلاَجَتَانِ. قَالُوا: فَهَذِهِ آثَارٌ صِحَاحٌ رَوَاهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُمُّ الْفَضْلِ، وَالزُّبَيْرُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ كُلُّهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ مَجِيءَ التَّوَاتُرِ قَالُوا: فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: صَدَقُوا فِي أَنَّهَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَلَكِنْ لَوْ لَمْ يَرِدْ غَيْرُهَا لَكَانَ الْقَوْلُ مَا قَالُوا لَكِنْ قَدْ جَاءَ غَيْرُ هَذَا مِمَّا سَنَذْكُرُهُ الآنَ إنْ شَاءَ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يُحِدَّ الْمُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ بِمَا أَغْنَى مِنْ الْجُوعِ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ أَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: اُنْظُرْنَ مِنْ إخْوَتِكُنَّ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ، كُلِّهِمْ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ. وَقَدْ أَوْرَدْنَا أَيْضًا قَبْلُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قال أبو محمد: وَهَذَانِ أَثَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَالْحُجَّةُ بِهِمَا قَائِمَةٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، كِلاَهُمَا عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: نَزَلَ الْقُرْآنُ أَنْ لاَ يُحَرِّمَ إِلاَّ عَشْرُ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدُ وَخَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ هَذَا لَفْظُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَلَفْظُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَالَتْ " كَانَ مِمَّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ سَقَطَ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ عَشْرُ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدُ وَخَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ ". وَمِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ " كَانَ فِيمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ ". وَرُوِّينَا أَيْضًا مَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا الْقَعْنَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ سُلَيْمَانُ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ كِلاَهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ تَبَنَّى سَالِمًا وَهُوَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنْ الأَنْصَارِ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إلَيْهِ وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: وَهَذَانِ خَبَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَجَلاَلَةِ الرُّوَاةِ وَثِقَتِهِمْ، وَلاَ يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُمَا. وهذا الخبر مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ يُبَيِّنُ وَهْمَ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ لِهَذَا الْخَبَرِ، فَذَكَرَ فِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ أَوْ نَسَخَهُ، إذْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عليه الصلاة والسلام أَفْتَاهَا بِالْعَشْرِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ التَّحْرِيمُ بِالْخَمْسِ، ثُمَّ أَفْتَاهَا بِالْخَمْسِ بَعْدَ نُزُولِهَا، وَقَدْ لاَ يَكُونُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ إِلاَّ بَعْضُ سَاعَةٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى أَنَّ التَّحْرِيمَ بِقَلِيلِ الرَّضَاعَةِ وَكَثِيرِهَا فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَجَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، كُلِّهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا إِلاَّ " أَرْضِعِيهِ " فَقَطْ دُونَ ذِكْرِ عَدَدٍ. وَذَكَرُوا قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام: إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ، وَلاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ عليه الصلاة والسلام فِي كُلِّ ذَلِكَ عَدَدًا. وَذَكَرُوا مِمَّا لاَ خَيْرَ فِيهِ: خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ: الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ. قال أبو محمد: أَمَّا هَذَا الْخَبَرُ، فَخَبَرُ سُوءٍ مَوْضُوعٌ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ فَسَاقِطٌ لاَ يُرْوَى عَنْهُ، قَدْ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ الرِّوَايَةَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ، فَلاَ مَعْنَى لاََنْ يُشْتَغَلَ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا الأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَالآيَةُ الْمَذْكُورَةُ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَقٌّ، لَكِنْ لَمَّا جَاءَتْ رِوَايَةُ الثِّقَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا بِأَنَّهُ لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ، وَلاَ الرَّضْعَتَانِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يُحَرِّمُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ: كَانَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ زَائِدَةً عَلَى مَا فِي تِلْكَ الآيَةِ، وَفِي تِلْكَ الأَخْبَارِ، وَكَانَتْ رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي حَدِيثِ أَبِي حُذَيْفَةَ " أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، هِيَ زَائِدَةً عَلَى رِوَايَةِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَابْنُ جُرَيْجٍ ثِقَةٌ لاَ يَجُوزُ تَرْكُ زِيَادَتِهِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا. وَقَدْ فَعَلَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا مِثْلَ هَذَا حَيْثُ يَجِبُ أَنْ يُفْعَلَ، وَحَيْثُ لاَ يَجِبُ أَنْ يُفْعَلَ: كَتَرْكِهِمْ عُمُومَ الْقُرْآنِ فِي قَطْعِ السَّارِقِ لِرِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ فِي الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ وَلِرِوَايَةٍ صَالِحَةٍ فِي رُبُعِ الدِّينَارِ. وَكَزِيَادَةِ الْمَالِكِيِّينَ التَّدَلُّكَ فِي الْغُسْلِ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِ نَصٍّ، وَكَزِيَادَةِ الْحَنَفِيِّينَ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ، وَمِنْ الرُّعَافِ، وَالْقَيْءِ لِرِوَايَاتٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. وَتَرْكُ الزِّيَادَةِ الَّتِي يَرْوِيهَا الْعَدْلُ خَطَأٌ لاَ تَجُوزُ؛ لأََنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتَةٌ فَمَنْ خَالَفَهَا فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُ عليه الصلاة والسلام فَهَذَا لاَ يَجُوزُ. وَاعْتَرَضُوا بِالآثَارِ الَّتِي جَاءَتْ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مُحَرِّمَاتٍ بِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ طَاوُوس، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ لأََزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضَاعَاتٌ مُحَرِّمَاتٌ، وَلِسَائِرِ النِّسَاءِ رَضَاعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، ثُمَّ تُرِكَ ذَلِكَ بَعْدُ. وَأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ دُونَ سَبْعِ رَضَعَاتٍ ثُمَّ صَارَ إلَى خَمْسٍ وَقَالَ طَاوُوس: قَدْ كَانَ ذَلِكَ فَحَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرٌ جَاءَ بِالتَّحْرِيمِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ تُحَرِّمُ. قال أبو محمد: هَذَا قَوْلُ طَاوُوس لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى صَاحِبٍ فَضْلاً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِثْلُ هَذَا لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَلاَ يَحِلُّ الْقَطْعُ بِالنَّسْخِ بِظَنِّ تَابِعِيٍّ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَوْلُ الرَّاوِي: فَمَاتَ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلٌ مُنْكَرٌ، وَجُرْمٌ فِي الْقُرْآنِ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُجَوِّزَ أَحَدٌ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْنَا: لَيْسَ كَمَا ظَنَنْتُمْ إنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ لِمَا ذَكَرْتُمْ، ثُمَّ إنَّهُ عليه الصلاة والسلام مَاتَ وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مَعَ الْقُرْآنِ بِحُرُوفِ الْجَرِّ يُبْدَلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَمِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ الَّذِي بَطَلَ أَنْ يُكْتَبَ فِي الْمَصَاحِفِ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ، كَآيَةِ الرَّجْمِ سَوَاءً سَوَاءً فَبَطَلَ اعْتِرَاضُهُمْ الْمَذْكُورُ. وَاعْتَرَضُوا عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي فِيهِ لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ، وَلاَ الرَّضْعَةُ، وَلاَ الرَّضْعَتَانِ بِأَنْ قَالُوا: هُوَ خَبَرٌ مُضْطَرِبٌ فِي سَنَدِهِ، فَمَرَّةً عَنْ عَائِشَةَ، وَمَرَّةً عَنْ الزُّبَيْرِ. فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا هَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ أَنْ يُرْوَى مِنْ طُرُقٍ، وَمَا يَعْتَرِضُ بِهَذَا فِي الآثَارِ إِلاَّ جَاهِلٌ بِمَا يَجِبُ فِي قَوْلِ النَّقْلِ الثَّابِتِ؛ لأََنَّهُ اعْتِرَاضٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً، إنَّمَا هُوَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ يَعِيبُونَ الأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ بِنَقْلِهَا مَرَّةً عَنْ صَاحِبٍ، وَمَرَّةً عَنْ آخَرَ، ثُمَّ لاَ يُفَكِّرُ الْحَنَفِيُّونَ فِي أَخْذِهِمْ بِحَدِيثِ أَيْمَنَ فِيمَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ، وَهُوَ حَدِيثٌ سَاقِطٌ مُضْطَرِبٌ فِيهِ أَشَدُّ الأَضْطِرَابِ. وَلاَ يُفَكِّرُ الْمَالِكِيُّونَ فِي أَخْذِهِمْ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ رُبُعِ الدِّينَارِ. وَفِي الصَّدَقَةِ فِي الْفِطْرِ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ، وَكِلاَهُمَا أَشَدُّ اضْطِرَابًا مِنْ خَبَرِ الرَّضْعَتَيْنِ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِمَا أَمْكَنَهُمْ. وَقَالُوا: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَحَدُ رُوَاةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ لاَ يُحَرِّمُ . فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِ لاَ رَأْيِهِ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا فِي كِتَابِنَا الْمَعْرُوفِ بِ " الْإِعْرَابِ " اضْطِرَابَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَأَخْذَهُمْ بِرِوَايَةِ الرَّاوِي وَتَرْكَهُمْ لِرَأْيِهِ فِي خِلاَفِهِ لِمَا رَوَاهُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا اعْتِرَاضَاتٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْغَثَاثَةِ، لاَ يَخْفَى سُقُوطُهَا عَلَى ذِي فَهْمٍ، عُمْدَتُهَا مَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَوَجَبَ الأَخْذ بِهَذِهِ الأَخْبَار، وَلَمَّا كَانَ عليه الصلاة والسلام قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ، وَلاَ الرَّضْعَتَانِ، وَلاَ الْمَصَّةُ، وَلاَ الْمَصَّتَانِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمَصَّةَ غَيْرُ الرَّضْعَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ قلنا: إنَّ اسْتِنْفَادَ الرَّاضِعِ مَا فِي الثَّدْيَيْنِ مُتَّصِلاً رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ الْمَصَّةَ لاَ تُحَرِّمُ، إِلاَّ إذَا عَلِمْنَا أَنَّهَا قَدْ سَدَّتْ مَسَدًّا مِنْ الْجُوعِ، وَلاَ يُوقَنُ بِوُصُولِهَا إلَى الأَمْعَاءِ، وَأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي لاَ يَسُدُّ مَسَدًّا مِنْ الْجُوعِ، وَلاَ يُوقَنُ بِوُصُولِهِ إلَى الأَمْعَاءِ لاَ يُحَرِّمُ شَيْئًا أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرَضَاعُ الْكَبِيرِ مُحَرِّمٌ وَلَوْ أَنَّهُ شَيْخٌ يُحَرِّمُ كَمَا يُحَرِّمُ رَضَاعُ الصَّغِيرِ، وَلاَ فَرْقَ وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ فِي الصِّغَرِ، وَلاَ يُحَرِّمُ فِي الْكِبْرِ، وَلَمْ يَحُدُّوا حَدًّا فِي ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاشَ عَائِشَةَ وَحْدَهَا كُنَّ يَرَيْنَ رَضَاعَ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ خَاصَّةً لَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ يَرَيْنَ: لاَ يُحَرِّمُ إِلاَّ رَضَاعُ الصَّغِيرِ، لاَ رَضَاعُ الْكَبِيرِ، دُونَ أَنْ يَرِدَ عَنْهُنَّ فِي ذَلِكَ حَدٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ رَضَاعِ الْكَبِيرِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصَّغِيرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لاَ رَضَاعَةَ إِلاَّ مَا أُرْضِعَ فِي الصِّغَرِ، وَلاَ رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَلْزَمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ حَدَّثَنِي يُونُسُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَبَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِالرَّضَاعَةِ أَحَدٌ حَتَّى رَضَعَ فِي الْمَهْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لاَ رَضَاعَ إِلاَّ مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا كَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْفِطَامِ فَلاَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها سُئِلَتْ: هَلْ يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ بَعْدَ الْفِطَامِ قَالَتْ: لاَ رَضَاعَ بَعْدَ فِطَامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْوَادِعِيِّ أَنَّ رَجُلاً مَصَّ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَتِهِ فَدَخَلَ اللَّبَنُ فِي حَلْقِهِ فَسَأَلَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: حُرِّمَتْ عَلَيْكَ امْرَأَتُك، ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ أَبُو عَطِيَّةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَقُمْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ فَقَالَ: أَرَضِيعًا تَرَى هَذَا إنَّمَا الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالْعَظْمَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. فَتَبَيَّنَ هَاهُنَا أَنَّهُ إنَّمَا يُحَرِّمُ مُدَّةَ تَغَذِّي الرَّضِيعِ بِاللَّبَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ، هُوَ ابْنُ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لاَ رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَمَّنْ سَمِعَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لاَ رَضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالُوا: لاَ رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: الرَّضَاعُ بَعْدَ الْفِطَامِ مِثْلُ الْمَاءِ يَشْرَبُهُ. وَبِهِ يَقُولُ الأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ: إنْ فُطِمَ وَلَهُ عَامٌ وَاحِدٌ وَاسْتَمَرَّ فِطَامُهُ ثُمَّ رَضَعَ فِي الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ هَذَا الرَّضَاعُ الثَّانِي شَيْئًا، وَقَالَ: فَإِنْ تَمَادَى رَضَاعُهُ وَلَمْ يُفْطَمْ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، فَإِنَّهُ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ، وَمَا كَانَ بَعْدَهُمَا، فَإِنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ وَإِنْ تَمَادَى الرَّضَاعُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لاَ رَضَاعَ إلَى مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا كَانَ فِي ثَلاَثَةِ أَعْوَامٍ، وَأَمَّا مَا رُضِعَ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ الأَعْوَامِ فَلاَ يُحَرِّمُ وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَى مَا كَانَ فِي عَامَيْنِ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا كَانَ فِي عَامَيْنِ وَشَهْرَيْنِ، فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُحَرِّمْ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَهَذِهِ الأَقْوَالُ الثَّلاَثَةُ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَمَالِكٍ: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ بِشَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَ الْمَذْكُورِينَ، وَلاَ مَعَهُمْ، إِلاَّ مَنْ قَلَّدَهُمْ اتِّبَاعًا لِهَوَاهُمْ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتْنَةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَأَمَّا الرَّضَاعُ بَعْدَهُمَا فَلاَ يُحَرِّمُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لاَ رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ رَضَاعَ إِلاَّ فِي الْحَوْلَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالاَ جَمِيعًا: كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهِيَ تُحَرِّمُ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ سَعُوطٍ، أَوْ وَجُورٍ أَوْ رَضَاعٍ فِي الْحَوْلَيْنِ فَهُوَ يُحَرِّمُ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ لأََنَّهُ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْهُ فِي مَوْطِئِهِ الَّذِي قُرِئَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ مَاتَ. قال أبو محمد: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إرْضَاعُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ يُحَرِّمُ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ أَبِي مُوسَى وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ: أَنَّ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ مَوْلَى الأَشْجَعِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إنِّي أَرَدْت أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَقَدْ سَقَتْنِي مِنْ لَبَنِهَا وَأَنَا كَبِيرٌ تَدَاوَيْت بِهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لاَ تَنْكِحُهَا وَنَهَاهُ عَنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعِ الْكَبِيرِ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِحَدِيثِ أَمْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ بِأَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَهُوَ كَبِيرٌ فَفَعَلَتْ، فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا لَهَا، قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ، وَبَنَاتِ أَخِيهَا يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: سَقَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ لَبَنِهَا بَعْدَ مَا كُنْت رَجُلاً كَبِيرًا أَفَأَنْكِحُهَا قَالَ عَطَاءٌ: لاَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْتُ لَهُ: وَذَلِكَ رَأْيُك قَالَ: نَعَمْ، كَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ بِذَلِكَ بَنَاتِ أَخِيهَا وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَمَالِكٍ، فَلاَ خَفَاءَ بِفَسَادِهَا، إِلاَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ فِي النَّهَارِ: إنَّهُ لَيْلٌ، مُكَابَرَةً وَنَصْرًا لِلْبَاطِلِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَفْتُونِينَ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قال أبو محمد: فَجَمَعَ هَذَا الْقَوْلُ مُخَالَفَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُكَابَرَةَ الْحِسِّ: أَمَّا مُخَالَفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَأَمَّا مُكَابَرَةُ الْعِيَانِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَوْلَيْنِ الأَعْجَمِيَّيْنِ الْمَعْدُودَيْنِ بِالشَّمْسِ وَقَطْعِهِمَا لِلْفُلْكِ وَبَيْنَ الْحَوْلَيْنِ الْعَرَبِيَّيْنِ الْمَعْدُودَيْنِ بِالْقَمَرِ إِلاَّ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ شَهْرَيْنِ لاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَتَتْ، وَالْقَطْعُ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثْلِ هَذَا لاَ يَحِلُّ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِمَا كَانَ فِي الْمَهْدِ فَكَلاَمٌ أَيْضًا لاَ تَقُومُ بِصِحَّتِهِ حُجَّةٌ لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ فَإِنَّ الصِّغَرَ يَتَمَادَى إلَى بُلُوغِ الْحُلُمِ؛ لأََنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لاَ تَلْزَمُهُ الْحُدُودُ، وَلاَ الْفَرَائِضُ وَهَذَا حَدٌّ لاَ يُوجِبُهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِالْفِطَامِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ فِي التَّحْرِيمِ إذْ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ فِي هَذِهِ الآيَةِ ذِكْرٌ، وَلاَ فِي تَرَاضِيهِمَا بِالْفِصَالِ تَحْرِيمٌ؛ لاََنْ يَرْتَضِعَ الْوَلَدُ بَعْدَ ذَلِكَ، إنَّمَا فِيهَا انْقِطَاعُ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الأَبِ فِي الرَّضَاعِ، وَلَيْسَ بِانْقِطَاعِ حَاجَةِ الصَّبِيِّ إلَى الرَّضَاعِ يَنْقَطِعُ التَّحْرِيمُ بِرَضَاعِهِ إنْ رَضَعَ إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ. قال أبو محمد: هَذَا خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ؛ لأََنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ لَمْ تَسْمَعْ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ؛ لأََنَّهَا كَانَتْ أَسَنُّ مِنْ زَوْجِهَا هِشَامٍ بِاثْنَيْ عَشْرَ عَامًا وَكَانَ مَوْلِدُ هِشَامٍ سَنَةَ [ 60 هـ ] سِتِّينَ، فَمَوْلِدُ فَاطِمَةَ عَلَى هَذَا سَنَة [ 48 هـ ] ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ، وَمَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ سَنَةَ [ 59 هـ ] تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَفَاطِمَةُ صَغِيرَةٌ لَمْ تَلْقَهَا، فَكَيْفَ أَنْ تَحْفَظَ عَنْهَا، وَلَمْ تَسْمَعْ مِنْ خَالَةِ أَبِيهَا عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا وَهِيَ فِي حِجْرِهَا إنَّمَا أَبْعَدُ سَمَاعِهَا مِنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رضي الله عنهم ،. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرَيْنِ سَاقِطَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ. وَالآخَرُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ أَيْضًا عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ كَلاَمًا كَثِيرًا وَفِيهِ: وَلاَ رَضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامِ. وَهَذَانِ خَبَرَانِ لاَ يَجُوزُ التَّشَاغُلُ بِهِمَا؛ لأََنَّ جُوَيْبِرًا سَاقِطٌ، وَالضَّحَّاكَ ضَعِيفٌ وَحَرَامَ بْنَ عُثْمَانَ هَالِكٌ بِمُرَّةٍ فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَسَقَطَتْ الأَقْوَالُ كُلُّهَا إِلاَّ قَوْلَ مَنْ رَاعَى الْحَوْلَيْنِ، وَقَوْلَ مَنْ لَمْ يُرَاعِ فِي ذَلِكَ حَدًّا أَصْلاً، فَنَظَرْنَا فِيمَنْ رَاعَى الْحَوْلَيْنِ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: صَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْنَا الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ غَيْرُ هَذَا لَكَانَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ مُتَعَلَّقٌ، لَكِنْ قَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالاَ جَمِيعًا: أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرَى وَجْهَ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ خَلِيفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضِيعِيهِ، فَقَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ. وَمِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ.، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ: أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ يَعْنِي سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبُ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ. وَمِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا غُنْدَرٌ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنهما إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْك الْغُلاَمُ الأَيْفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ إنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ سَالَمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضِعِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ سَالِمًا كَانَ يُدْعَى ابْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ اُدْعُوهُمْ لأَبَائِهِمْ وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فَضْلٌ وَنَحْنُ فِي مَنْزِلٍ ضَيِّقٍ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضِعِي سَالِمًا تَحْرُمِي عَلَيْهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ بَعْضُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ نَدْرِي لَعَلَّ هَذِهِ كَانَتْ رُخْصَةً لِسَالِمٍ خَاصَّةً قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ تُفْتِي بِأَنَّهُ يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ بَعْدَ الْفِصَالِ حَتَّى مَاتَتْ. قال أبو محمد: فَهَذِهِ الأَخْبَارُ تَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، وَتُبَيِّنُ مُرَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ أَنَّ الرَّضَاعَةَ الَّتِي تَتِمُّ بِتَمَامِ الْحَوْلَيْنِ، أَوْ بِتَرَاضِي الأَبَوَيْنِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، إذَا رَأَيَا فِي ذَلِكَ صَلاَحًا لِلرَّضِيعِ أَنَّهَا هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الْمُرْضِعَةِ، وَاَلَّتِي يُجْبَرُ عَلَيْهَا الأَبَوَانِ أَحَبَّا أَمْ كَرِهَا. وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ فِي الآيَةِ كِفَايَةٌ فِي هَذَا؛ لأََنَّهُ تَعَالَى قَالَ: قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ؛ لأََنَّهُ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي نَصٍّ ثَابِتٍ: هَذَا مَنْسُوخٌ، إِلاَّ بِنَصٍّ ثَابِتٍ مُبَيَّنٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ، فَكَيْفَ وَقَوْلُ سَهْلَةَ رضي الله عنها لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ بَيَانٌ جَلِيٌّ؛ لأََنَّهُ بَعْدَ نُزُولِ الآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ وَبِالْيَقِينِ نَدْرِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَاصَّةً لِسَالِمٍ، أَوْ فِي التَّبَنِّي الَّذِي نُسِخَ لَبَيَّنَهُ عليه الصلاة والسلام كَمَا بَيَّنَ لأََبِي بُرْدَةَ فِي الْجَذَعَةِ إذْ قَالَ لَهُ تُجْزِئُك، وَلاَ تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لاَ يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا يُطْلِقُ بِهِ لِسَانَهُ: كَيْفَ يَحِلُّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَرْضِعَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ. قال أبو محمد: هَذَا اعْتِرَاضٌ مُجَرَّدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَمَرَ بِذَلِكَ، وَالْقَائِلُ بِهَذَا لاَ يَسْتَحْيِ مِنْ أَنْ يُطْلِقَ: أَنَّ لِلْمَمْلُوكَةِ أَنْ تُصَلِّيَ عُرْيَانَةً يَرَى النَّاسُ ثَدْيَيْهَا وَخَاصِرَتَهَا، وَأَنَّ لِلْحُرَّةِ أَنْ تَتَعَمَّدَ أَنْ تَكْشِفَ مِنْ شَفَتَيْ فَرْجِهَا مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ تُصَلِّي كَذَلِكَ وَيَرَاهَا الصَّادِرُ وَالْوَارِدُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تَكْشِفَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ بَطْنِهَا كَذَلِكَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَدَمِ الْحَيَاءِ وَقِلَّةِ الدِّينِ. قال أبو محمد: وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ حُجَّةٌ لَنَا بَيِّنَةٌ؛ لأََنَّ لِلْكَبِيرِ مِنْ الرَّضَاعَةِ فِي طَرْدِ الْمَجَاعَةِ نَحْوَ مَا لِلصَّغِيرِ، فَهُوَ عُمُومٌ لِكُلِّ رَضَاعٍ إذَا بَلَغَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا الْكَبِيرُ إذَا أَرْضَعَتْهُ فِي حَالِ كِبَرِهِ أُخْتٌ مِنْ أَخَوَاتِهَا الرَّضَاعَ الْمُحَرِّمَ، وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَقْطَعُ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيُبِيحَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَهِكُهُ مَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ مَعَ قوله تعالى: وَإِنْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ مِمَّنْ يَلْحَقُ وَلَدُهَا بِهِ فَدُرَّ لَهَا اللَّبَنُ، ثُمَّ وَضَعَتْ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَهَا آخَرُ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَمَلَكَهَا آخَرُ، فَمَا أَرْضَعَتْ فَهُوَ وَلَدٌ لِلأَوَّلِ لاَ لِلثَّانِي، فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الثَّانِي فَتَمَادَى اللَّبَنُ فَهُوَ لِلأَوَّلِ إِلاَّ أَنْ يَتَغَيَّرَ، ثُمَّ يَعْتَدِلُ، فَإِنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ الأَوَّلِ وَصَارَ لِلثَّانِي [ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ].
|